فصل: الخبر عن رجوع الثغور الغربية لأمراء الموحدين ببجاية وقسنطينة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن انتقاض النواحي وانتزاء بني عبد الواد بتلمسان ومغراوة بشلف وتوجين بالمرية:

لما كانت نكبة السلطان بالقيروان وانتثر ملك زناتة وانتقضت قواعد سلطانهم اجتمع كل قوم منهم لابرام أمرهم والنظر في شأن جماعتهم وكانوا جميعا نزعوا إلى الكعوب الخارجين على السلطان وبنزوعهم تمت الدبرة عليه ولحقوا بتونس مع الحاجب أبي محمد بن تافراكين ليلحقوا منها بأعمالهم وكان في جملة السلطان جماعة من أعياصهم منهم عثمان وإخوته الزعيم ويوسف وإبراهيم أبناء عبد الرحمن بن يحيى ابن يغمراسن بن زيان سلطان بني عبد الواد صار في إيالة السلطان منذ فتح تلمسان وإنزالهم بالجزيرة للرباط ثم رجعوا بعد استئثار الطاغية بها من مكانهم من دولته وساروا إلى القيروان تحت لوائه ومنهم علي بن راشد بن محمد بن منديل وقد ذكرنا أخبار أبيه وأنه ربي في إيالة السلطان وجو الدولة يتيما وكفلته نعمتها منذ نشأته حتى كأنه لا يعرف سواها فاجتمع بنو عبد الواد بتونس وعقدوا على أنفسهم لعثمان ابن عبد الرحمن لما كان كبير إخوته وأتوه ببيعتهم شرقي المصلى العتيق المطل على سيجوم من ساحة البلد لعهده بهم يومئذ وقد وضعوا له درقة بالأرض من اللمط أجلسوه عليها ثم ازدحموا مكبين على يده يقبلونها للبيعة ثم اجتمع من بعدهم مغراوة إلى علي بن راشد وبايعوه وحفوا به وتعاهد بنو عبد الواد ومغراوة على الألفة وانتظام الكلمة وهدر الدماء وارتحلوا إلى أعمالهم بالمغرب الأوسط فنزل علي بن راشد قومه بموضع عملهم من ضواحي شلف وتغلبوا على أمصاره وافتتحوا تدلس وأخرجوا منها أولياء السلطان وعسكره وقتلوا القاضي بمازونة سرحان كان مقيما بها لدعوة السلطان ثم سولت له نفسه التوثب والانتزاء فدعا لنفسه وقتله علي بن راشد وقومه.
وأجاز عبد الرحمن وقومه من بني عبد الواد إلى محلل ملكهم بتلمسان فألفوا عثمان ابن جرار قد انترى بها بعد منصرف الأمير أبي عنان ودعا لنفسه فتجهم له الناس لتوئبه عل المنصب الذي ليس لأبيه واستمسك بالبلد أياما يؤمل نزوع قومه إليه ثم زحف إليه بنو عبد الواد وسلطانهم فصدقوه الزحف وثارت به الغوغاء وكسروا أبواب البلد وخرجوا إلى السلطان فأدخلوه القصر واحتل به في جمادى من سنة تسع وأربعين وسبعمائة وتسابق الناس إلى مجلسه مثنى وفرادى وبايعوه البيعة العامة ثم تفقد ابن جرار ثم أغرى به البحث فعثر عليه ببعض زوايا القصر واحتمل إلى المطبق فأودع به إلى أن سرب إليه الماء فات غريقا في هوته وساهم السلطان أبو سعيد عثمان أخاه أبا ثابت الزعيم في سلطانه وأشركه في أمره وأردفه في ملكه وجعل الله أمر الحرب والضواحي والبدو كلها واستوزر قريبه يحيى بن داود بن مكن من ولد محمد بن يندوكس بن طاع الله واستوسق ملكهم وأوفدوا مشيختهم على الأمير أبي عنان صاحب المغرب وسلطان بنى مرين فعقدوا معه السلم والمهادنة واشترطوا له عن أنفسهم دفاع السلطان إليه وزحفوا إلى وهران من ثغور أعمالهم ونازلوا بها أولياء السلطان وعساكره وعاملها يومئذ عبد الله بن أجانا من صنائع السلطان أبي الحسن إلى أن غلبوه عليها واستنزلوه صلحا لأشهر من حصارها.
واستمسك أهل الجزائر بطاعة السلطان واعتصموا بها وعقد علها لقائده محمد بن يحيى بن العسكري من صنائع أبيه بعثه إليهم من تونس بعد نكبة القيروان ونجم بالمدية علي ابن يوسف بن زيان بن محمد بن عبد القوي داعيا لنفسه وطالبا سلطان سلفه وامتنع عليه معقل ملكهم بجبل وانشريش لمكان ولد عمر بن عثمان وقوم هم من بني تيغرين في رياسته وانحاش إليه أولاد عزيز من بني توجين أهل ضاحية المدية فقاموا بأمره واعصوصبوا عليه وكانت بينه وبين أبناء عمر بن بوانشريش حرب سجال إلى أن هلك وخلص أمر بني توجين لأبناء عمر بن عثمان وهم على مذهبهم من طاعة السلطان وتمسكهم بدعوته وهو مقيم خلال هذا بتونس إلى أن أزمع الرحلة واحتل بالجزائر كما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن رجوع الثغور الغربية لأمراء الموحدين ببجاية وقسنطينة:

لما توثب الأمير أبو عثمان على ملك أبيه وبويع بتلمسان وكانت للأمير أبي عبد الله محمد ابن الأمير أبي زكريا صاحب بجاية لديه خلة ومصافاة من لدن بعثه إليه السلطان أبوه من بجاية وأنزله بتلمسان فدعا له السابقة وآثره بالإمارة وعقد له على محل إمارته من بجاية وأمده بما يرضيه من المال والسلاح ودفعه إليها ليكون حجرا دون السلطان بتونس وضمن له هذا الأمير صده عن الخلوص إليه وسد المذاهب دونه وأوعز أبو عنان إلى أساطيله بوهران فركبها الأمير إلى تدلس ودخلها ونزل إليه صنهاجة أهل ضاحية بجاية عن عمه الأمير أبي العباس الفضل واعصوصبوا عليه وقاموا بأمره لقديم نعمته وسالف إمارة أبيه ولما ارتحل الأمير أبو عنان إلى المغرب رحل في جملته الأمير أبو زيد عبد الرحمن ابن الأمير أبي عبد الله صاحب قسنطينة ومعه إخوته فاختصهم يومئذ بتغريبه وخلطهم بنفسه فلما غلب الأمير أبو عنان منصور ابن أخيه أبي مالك على البلد الجديد واستولى على المغرب رأى أن يبعث ملوك الموحدين إلى بلادهم ويدفع في صدر أبيه بمكانهم فسرح الأمير أبا زيد وإخوته وكان منهم السلطان أبو العباس الذي جبر الله به الصدع ونظم الشمل فوصلوا إلى موطن ملكهم ومحل إمارتهم وكان مولاهم نبيل حاجب أبيهم قد تقدم إلى بجاية ولحق بالأمير أبي عبد الله من حصارها ثم تقدم إلى قسنطينة وبها مولى من موالي السلطان المتغلب عليها وهو الأمير أبو العباس الفضل فلحين إطلاله على جهاتها وشعور أهلها بمكانه لفحت منهم عزائز المودة وذكروا جميع الإيالة وأجمعوا التوثب بواليهم واحتل نبيل بظاهر قسنطينة فشرهت العامة إلى إمارته والقيام بدعوة مواليه وتوثب أشياعهم على أولياء عمهم فأخرجوهم واستولى القائد نبيل على قسنطينة وأعمالها وأقام دعوة الأمير أبي زيد وإخوته كما كانت أول مرة بها وجاؤا من المغرب إلى مراكز إمارتهم ودعوتهم قائمة ورايتهم على أنحائها خافقة فاحتلوا بها حلول الآساد بعرانينها والكواكب بآفاقها ونهض الأمير أبو عبد الله محمد فيمن اجتمع الله من البطانة والأولياء إلى محاصرة بلد بجاية فأحجر عمه بالبلد وأخذ بمخنقها أياما ثم أفرج عنها ثم رجع إلى مكانه من حصارها ودس إليه بعض أشياعه بالبلد وسرب إليه المال في الغوغاء فواعدوه فتح أبواب الربض في إحدى ليالي رمضان سنة تسع وأربعين وسبعمائة واقتحم البلد وملاء الفضاء بهدير طبوله فهب الناس من مراقدهم فزعين وقد ولج الأمير وقومه البلد ونجا الأمير الفضل إلى شعاب الجبل وكواريه المطل على القصبة راجلا حافيا فاختفي به إلى أن عثر عليه ضحى النهار وسيق إلى ابن أخيه فحن عليه وأركبه السفين إلى محل إمارته من بونة وخلص ملك بجاية للأمير أبي عبد الله هذا واقتعد سرير آبائه بها وكتبوا للأمير أبى عنان بالفتح وتجديد المخالصة والموالاة والعمل عن مدافعة أبيه من جهاته والله تعالى.